فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[الأعلى: الآيات 14- 17]

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تزكى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلى (15) بَلْ تؤثرون الْحَياةَ الدنيا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وأبقى (17)}.
{تزكى} تطهر من الشرك والمعاصي. أو تطهر للصلاة. أو تكثر من التقوى، من الزكاء وهو النماء. أو تفعل من الزكاة، كتصدق من الصدقة {فصلى} أي الصلوات الخمس، نحو قوله: {وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ} وعن ابن مسعود: رحم اللّه امرأ تصدق وصلى.
وعن علي رضي اللّه عنه أنه التصدق بصدقة الفطر وقال: لا أبالى أن لا أجد في كتابي غيرها، لقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تزكى} أي أعطى زكاة الفطر، فتوجه إلى المصلى، {فصلى} صلاة العيد، {وذكر اسم ربه} فكبر تكبيرة الافتتاح. وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة لأن الصلاة معطوفة عليها، وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل.
وعن ابن عباس رضي اللّه عنه: ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه فصلى له.
وعن الضحاك: وذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى صلاة العيد {بَلْ تؤثرون الْحَياةَ الدنيا} فلا تفعلون ما تفلحون به. وقرئ: {يؤثرون}، على الغيبة. ويعضد الأولى قراءة ابن مسعود: {بل أنتم تؤثرون} {خَيْرٌ وأبقى} أفضل في نفسها وأنعم وأدوم.
وعن عمر رضي اللّه عنه: ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب.

.[الأعلى: الآيات 18- 19]

{إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى (18) صُحُفِ إبراهيم وموسى (19)}.
هذا إشارة إلى قوله: {قَدْ أَفْلَحَ} إلى {أَبْقى} يعنى أنّ معنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف.
وقيل: إلى ما في السورة كلها.
وروى عن أبى ذر رضي اللّه عنه «أنه سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: كم أنزل اللّه من كتاب؟ فقال: مائة وأربعة كتب، منها على آدم: عشر صحف، وعلى شيث: خمسون صحيفة، وعلى أخنوخ وهو إدريس: ثلاثون صحيفة، وعلى إبراهيم: عشر صحائف والتوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان». وقيل إنّ في صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على شأنه. عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الأعلى أعطاه اللّه عشر حسنات بعدد كل حرف أنزله اللّه على إبراهيم وموسى ومحمد» وكان إذا قرأها قال: «سبحان ربى الأعلى» وكان على وابن عباس يقولان ذلك، وكان يحبها وقال: أول من قال: «سبحان ربى الأعلى» ميكائيل. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {سَبِّح اسمَ رَبِّكَ الأعلى} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: عظّم ربك الأعلى، قاله ابن عباس والسدي، والاسم صلة قصد بها تعظيم المسّمى، كما قال لبيد:
إلى الحْولِ ثم اسم السلام عليكما ** ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فقد اعتذر

الثاني: نزّه اسم ربك عن أن يسمى به أحد سواه، ذكره الطبري.
الثالث: معناه ارفع صوتك بذكر ربك، قال جرير:
قَبَحَ الإلهُ وَجوه تَغْلبَ كلما ** سَبَحَ الحجيجُ وكبّروا تكبيرا

الرابع: صلّ لربك، فعلى هذا في قوله: {اسم ربك} ثلاثة أوجه:
أحدها: بأمر ربك.
الثاني: بذكر ربك أن تفتتح به الصلاة.
الثالث: أن تكون ذاكراً لربك بقلبك في نيتك للصلاة.
وروي أن عليّاً وابن عباس وابن عمر كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا: {سبحان ربي الأعلى} امتثالاً لأمره تعالى في ابتدائها، فصار الاقتداء بهم في قراءتها، وقيل إنها في قراءة أُبيّ: {سبحان ربي الأعلى} وكان ابن عمر يقرؤها كذلك.
{الذي خلق فسوى} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني أنشأ خلقهم ثم سوّاهم فأكملهم.
الثاني: خلقهم خلقاً كاملاً وسوّى لكل جارحة مثلاً.
الثالث: خلقهم بإنعامه وسوّى بينهم في أحكامه، قال الضحاك:
خلق آدم فسوى خلقه.
ويحتمل رابعاَ: خلق في أصلاب الرجال، وسوّى في أرحام الأمهات.
ويحتمل خامساً: خلق الأجساد فسوى الأفهام.
{والذي قدر فهدى} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: قدر الشقاوة والسعادة، وهداه للرشد والضلالة، قاله مجاهد.
الثاني: قدر أرزاقهم وأقواتهم، وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنساً، ولمراعيهم إن كانوا وحشاً.
الثالث: قدرهم ذكوراً وإناثاً، وهدى الذكر كيف يأتى الأنثى، قاله السدي.
ويحتمل رابعاً: قدر خلقهم في الأرحام، وهداهم الخروج للتمام.
ويحتمل خامساً: خلقهم للجزاء، وهداهم للعمل.
{والذي أَخْرَجَ المرعى} يعني النبات، لأن البهائم ترعاه، قال الشاعر:
وقد يَنْبُتُ المرعى على دِمَنِ الثّرَى ** وتَبْقَى حَزازاتُ النفوسِ كما هِيا

{فَجَعَلهُ غُثاءً أحوى} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الغثاء ما يبس من النبات حتى صار هشيماً تذروه الرياح.
الأحوى: الأسود، قال ذي الرمة:
لمياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ ** وفي اللّثاتِ وفي أنْيابها شَنَبُ

وهذا معنى قول مجاهد.
الثاني: أن الغثاء ما احتمل السيل من النبات، والأحوى: المتغير، وهذا معنى قول السدي.
الثالث: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، ومعناه {أحوى} فصار غثاء، والأحوى: ألوان النبات الحي من أخضر وأحمر وأصفر وأبيض، ويعبر عن جميعه بالسواد كما سمي به سواد العراق، وقال امرؤ القيس:
وغيثٍ دائمِ التهْتا ** نِ حاوي النبتِ أدْهم

والغثاء: الميت اليابس، قال قتادة: وهو مثل ضربه الله تعالى للكفار لذهاب الدنيا بعد نضارتها.
{سنقرئك فلا تنسى} فيه وجهان:
أحدهما: أن معنى قوله: {فلا تنسى}، أي فلا تترك العمل إلا ما شاء الله أن يترخص لك فيه، فعلى هذا التأويل يكون هذا نهياً عن الشرك.
والوجه الثاني: أنه إخبار من الله تعالى أنه لا ينسى ما يقرئه من القرآن، حكى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه جبريل بالوحي يقرؤه خيفة أن ينساه، فأنزل الله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} يعني القرآن.
{إلا ما شاءَ اللهُ} فيه وجهان:
أحدهما: إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله عليك فلا تقرؤه، حكاه ابن عيسى.
{إنهُ يَعْلَمُ الجهْرَ وما يخفى} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أن {الجهر} ما حفظته من القرآن في صدرك، {وما يخفى} هو ما نسخ من حفظك.
الثاني: أن {الجهر ما} علمه، {وما يخفى} ما سيتعلمه من بعد، قاله ابن عباس.
الثالث: أن {الجهر} ما قد أظهره، و{ما يخفى} ما تركه من الطاعات.
{وَنُيسركَ لليسرى} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: نيسرك لأن تعمل خيراً، قاله ابن عباس.
الثاني: للجنة، قاله ابن مسعود.
الثالث: للدين واليسر وليس بالعسر، قاله الضحاك.
{فذكر إن نَّفَعتِ الذكرى} وفيما يذكر به وجهان:
أحدهما: بالقرآن، قاله مجاهد.
الثاني: بالله رغبة ورهبة، قاله ابن شجرة.
وفي قوله: {إنْ نَفَعَتِ الذكرى} وجهان:
أحدهما: يعني إن قبلت الذكرى وهو معنى قول يحيى بن سلام.
الثاني: يعني ما نفعت الذكرى، فتكون {إن} بمعنى ما الشرط، لأن الذكرى نافعة بكل حال، قاله ابن شجرة.
{سَيذكر مَن يخشى} يعني يخشى الله، وقد يتذكر من يرجوه، إلا أن تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الراجي فلذلك علقها بالخشية دون الرجاء، وإن تعلقت بالخشية والرجاء.
{وَيَتَجَنَّبُها الأشقى} يعني يتجنب التذكرة الكافر الذي قد صار بكفره شقياً.
{الذي يَصْلَى النّارَ الكبرى} فيه وجهان:
أحدهما: هي نار جهنم، والصغرى نار الدنيا، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: {الكبرى} نار الكفار في الطبقة السفلى من جهنم، والصغرى نار المذنبين في الطبقة العليا من جهنم، وهو معنى قول الفراء.
{ثم لا يَمُوتُ فيها ولا يَحْيَا} فيه وجهان:
أحدهما: لا يموت ولا يجد روح الحياة، ذكره ابن عيسى.
الثاني: أنه يعذب لا يستريح ولا ينتفع بالحياة، كما قال الشاعر:
ألا ما لنفسٍ لا تموتُ فَيَنْقَضِي ** عَناها ولا تحْيا حياةً لها طَعمْ.

{قد أفْلَحَ من تزكى} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: من تطهّر من الشرك بالإيمان، قاله ابن عباس.
الثاني: من كان صالح عمله زكياً نامياً، قاله الحسن والربيع.
لم يذكر الثالث راجع التعليق ص. 44.
الرابع: أنه عنى زكاة الأموال كلها، قاله أبو الأحوص.
ويحتمل خامساً: أنه من ازداد خيراً وصلاحاً.
{وذكَرَ اسمَ ربِّه فصلى} فيه ستة أوجه:
أحدها: أن يوحد الله، قاله ابن عباس.
الثاني: أن يدعوه ويرغب إليه.
الثالث: أن يستغفروه ويتوب إليه.
الرابع: أن يذكره بقلبه عند صلاته فيخاف عقابه ويرجو ثوابه، ليكون استيفاؤه لها وخشوعه فيها بحسب خوفه ورجائه.
الخامس: أن يذكر اسم ربه بلسانه عند إحرامه بصلاته، لأنها لا تنعقد إلا بذكره. السادس: أن يفتتح كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم.
وفي قوله: {فصلى} ثلاثة أقاويل:
أحدها: الصلوات الخمس، قاله ابن عباس.
الثاني: صلاة العيد، قاله أبو سعيد الخدري.
الثالث: هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاة، قاله أبو الأحوص.
وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
{بل تؤثرون الحياةَ الدنيا} فيه وجهان:
أحدهما: أن المراد بها الكفار، فيكون تأويلها: بل تؤثرون الحياة الدنيا علي الآخرة.
الثاني: أن المراد بها المسلمون، فيكون تأويلها: يؤثرون الاستكثار من الدنيا للاستكثار من الثواب.
{والآخِرةُ خَيْرٌ وأبقى} فيه وجهان:
أحدهما: خير للمؤمن من الدنيا، وأبقى للجزاء.
الثاني: ما قاله قتادة خير في الخير وأبقى في البقاء.
ويحتمل به وجهاً ثالثاً: يتحرر به الوجهان: والآخرة خير لأهل الطاعة وأبقى على أهل الجنة.
{إنّ هذا لَفِي الصحف الأولى} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني أن الآخرة خير وأبقى في الصحف الأولى، قاله قتادة.
الثاني: أن ما قصَّهُ الله في هذه السورة هو من الصحف الأولى.
الثالث: هي كتب الله كلها، وحكى وهب بن منبه في المبتدإ أن جميع الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه مائة صحيفة وخمس صحف وأربعة كتب، منها خمسة وثلاثون صحيفة أنزلها على شيث بن آدم وخمسون صحيفة أنزلها على إدريس، وعشرون صحيفة أنزلها على إبراهيم، وأنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى، والفرقان على محمد عليهم السلام. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى (1)}
وفي معنى {سبح} خمسة أقوال:
أحدها: قل سبحان ربي الأعلى، قاله الجمهور.
والثاني: عَظِّم.
والثالث: صَلِّ بأمر ربك، روي القولان عن ابن عباس.
والرابع: نَزِّه ربك عن السوء، قاله الزجاج.
والخامس: نَزِّه اسم ربك وذكرك إياه أن تذكره وأنت معظم له، خاشع له، ذكره الثعلبي.
وفي قوله تعالى: {اسم ربك} قولان.
أحدهما: أن ذكر الاسم صلة، كقول لبَيد بن ربيعة:
إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُما ** وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فَقَد اعْتَذَرْ

والثاني: أنه أصلي.
وقال الفراء: سبح ربك، وسبح اسم ربك سواء في كلام العرب.
قوله تعالى: {الذي خلق فسوى} أي: فعدَّل الخلق.
وقد أشرنا إلى هذا المعنى في [الانفطار: 7] {والذي قدر} قرأ الكسائي وحده {قدر} بالتخفيف {فهدى} فيه سبعة أقوال.
أحدها: قدر الشقاوة والسعادة، وهدى للرشد والضلالة، قاله مجاهد.
والثاني: جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها إليه، قاله عطاء.
والثالث: قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج، قاله السدي.
والرابع: قدرهم ذكوراً وإناثاً، وهدى الذكر لإتيان الأنثى، قاله مقاتل.
والخامس: أن المعنى: قدر فهدى وأضل، فحذف (وأضل)، لأن في الكلام دليلاً على ذلك، حكاه الزجاج.
والسادس: قدر الأرزاق، وهدى إلى طلبها.
والسابع: قدر الذنوب، وهدى إلى التوبة، حكاهما الثعلبي.
قوله تعالى: {والذي أخرج المرعى} أي: أنبت العشب، وما ترعاه البهائم {فجعله} بعد الخضرة {غُثَاءً} قال الزجاج، أي: جفَّفه حتى جعله هشيماً جافاً كالغثاء الذي تراه فوق ماء السيل.
وقد بينا هذا في سورة [المؤمنين: 41] فأما قوله تعالى: {أحوى} فقال الفراء: الأحوى: الذي قد اسود عن القِدَم، والعتق، ويكون أيضًا: أخرج المرعى أحوى: أسود من الخضرة، فجعله غثاءً كما قال تعالى: {مدهامتان} [الرحمن: 64].
قوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} قال مقاتل: سنعلِّمك القرآن، ونجمعه في قلبك فلا تنساه أبداً.
قوله تعالى: {إلا ما شاء الله} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: إلا ما شاء الله أن تنسى شيئاً، فإنما هو كقوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إِلا ما شاء ربك} [هود: 107] فلا يشاء.
قوله تعالى: {إنه يعلم الجهر} من القول والفعل {وما يخفى} منهما {ونيسرك لليسرى} أي: نُسهِّل عليك عمل الخير {فذكر} أي: عظ أهل مكة {إن نفعت الذكرى} وفي {إن} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها الشرطية، وفي معنى الكلام قولان،
أحدهما: إن قُبِلَتْ الذكرى، قاله يحيى ابن سلام.
والثاني: إن نفعت وإن لم تنفع، قاله علي بن أحمد النيسابوري.
والثاني: أنها بمعنى (قد) فتقديره: قد نفعت الذكرى، قاله مقاتل.
والثالث: أنها بمعنى (ما) فتقديره: فذكر ما نفعت الذكرى، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {سيذكر} سيتعظ بالقرآن {من يخشى ويتجنبها} ويتجنب الذكرى {الأشقى الذي يصلى النار الكبرى} أي: العظيمة الفظيعة لأنها أشد من نار الدنيا {ثم لا يموت فيها} فيستريح {ولا يحيى} حياة تنفعه.
وقال ابن جرير: تصير نفس أحدهم في حلقه، فلا تخرج فتفارقه فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا.
قوله تعالى: {قد أفلح} قال الزجاج: أي: صادف البقاء الدائم، والفوز {مَنْ تزكى} فيه خمسة أقوال.
أحدها: من تطهَّر من الشرك بالإيمان، قاله ابن عباس.
والثاني: من أعطى صدقة الفطر، قاله أبو سعيد الخدري، وعطاء، وقتادة.
والثالث: من كان عمله زاكياً، قاله الحسن، والربيع.
والرابع: أنها زكوات الأموال كلّها، قاله أبو الأحوص.
والخامس: تكثَّر بتقوى الله.
ومعنى الزاكي: النامي الكثير، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وذكر اسم ربه} قد سبق بيانه [الأحزاب: 31].
وفي قوله تعالى: {فصلى} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها الصلوات الخمس، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: صلاة العيدين، قاله أبو سعيد الخدري.
والثالث: صلاة التطوع، قاله أبو الأحوص.
والقول قول ابن عباس في الآيتين، فإن هذه السورة مكية بلا خلاف، ولم يكن بمكة زكاة، ولا عيد.
قوله تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا} قرأ أبو عمرو، وابن قتيبة، وزيد عن يعقوب {بل يؤثرون} بالياء، والباقون بالتاء، واختار الفراء والزجاج التاء، لأنها رويت عن أُبَيِّ بن كعب: {بل أنتم تؤثرون}.
فإن أريد بذلك الكفار، فالمعنى: أنهم يؤثرون الدنيا علي الآخرة، لأنهم لا يؤمنون بها.
وإن أريد به المسلمون، فالمعنى: يؤثرون الاستكثار من الدنيا علي الاستحسان من الثواب.
قال ابن مسعود: إن الدنيا عجِّلت لنا، وإن الآخرة نُعِتَتْ لنا، وزويت عنا، فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل.
قوله تعالى: {والآخرة خير لك} يعني الجنة أفضل {وأبقى} أي: أدوم من الدنيا.
{إن هذا لفي الصحف الأولى} في المشار إليه أربعة أقوال.
أحدها: أنه قوله تعالى: {والآخرة خير وأبقى} قاله قتادة.
والثاني: هذه السورة، قاله عكرمة، والسدي.
والثالث: أنه لم يرد أن معنى السورة في الصحف الأولى، ولا الألفاظ بعينها، وإنما أراد أن الفلاح لمن تزكى وذكر اسم ربه فصلى، في الصحف الأولى، كما هو في القرآن، قاله ابن قتيبة.
والرابع: أنه من قوله تعالى: {قد أفلح من تزكى}، إلى قوله: {وأبقى} قاله ابن جرير.
ثم بين الصحف الأولى ما هي، فقال: {صحف إبراهيم وموسى} وقد فسرناها في [النجم: 36]. اهـ.